فصل: من فوائد الشعراوي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَإِنْ كَذَّبُوكَْ} أي: بعد بطلان عذرهم المذكور: {فَقَدْ كُذِّبَ} أي: فلا تحزن وتسلّ فقد كذب: {رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ} جمع زبور أي: الكتب الموحاة منه تعالى: {وَالْكِتَابِ الْمُنِير} أي: الواضح الجلي. والزبور والكتاب: واحد في الأصل، وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين. فالزبور فيه حكم زاجرة، والكتاب المنير هو المشتمل على جميع الشريعة.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}.
ويتسامى الحق سبحانه وتعالى بروح سيدنا رسول الله إلى مرتبة العلو الذي لا يرقى إليه بشر سواه، فيقول: {قَدْ نَعْلَمُ أنه لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ} [الأنعام: 33].
فالمسألة ليست مسألتك أنت إنهم يعرفون أنك يا محمد صادق لا تكذب أبدًا {وَلَاكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ}. أي هذا الأمر ليس خاصا بك بل هو راجع إليّ فلا أحد يقول عنك أنك كذّاب هم يكذبونني، الظالمون يجحدون وينكرون آياتي فالحق سبحانه يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم هنا للتسلية ويعطيه الأسوة التي تجعله غير حزين مما يفعله اليهود والمكذبون به فيقول: {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} [آل عمران: 184].
ونعرف أن الشرط سبب في وجود جوابه. فإذا كان الجواب قد حصل قبل الشرط فما الحال؟. الحق يوضح: إن كذبوك يا محمد فقد كذبوا رسلًا من قبلك. أي أن جواب الشرط قد حصل هنا قبل الشرط وهذه عندما يتلقفها واحد من السطحيين أدعياء الإسلام، أو من المستشرقين الذين لا يفهمون مرامي اللغة فمن الممكن أن يقول:
إن الجواب في هذه الآية قد حصل قبل الشرط. وهنا نرد عليه قائلين: أقوله تعالى: {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ..} هو جواب الشرط.. أم هو دليل الجواب؟ لقد جاء الحق بهذه الآية ليقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
فإن كذبوك فلا تحزن، فقد سبقك أن كَذّب قوم رسلَهم، إنها علة لجواب الشرط، كأنه يقول:
فإن كذبوك فلا تحزن. إذن فمعنى ذلك أن المذكور ليس هو الجواب، إنما هو الحيثية للجواب {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَات}.. إلخ.
وعندما نقول: جاءني فلان بكذا فقد يكون هو الذي أحضره، وقد يكون هو مجرد مصاحب لمن جاء به.
ولنضرب هذا المثل للأيضاح- ولله المثل الأعلى- فلنفترض أن موظفًا أرسله رئيسه بمظروف إلى إنسان آخر، فالموظف هو المصاحب للمظروف.
إذن فالبينات جاءت من الله، لكن هؤلاء الرسل جاءوا مصاحبين ومؤيِّدين بالبينات كي تكون حُجة لهم على صدق بلاغهم عن الله، {فَإِن كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ}. أي جاءوا بالآيات الواضحة الدلالة على المراد. والآيات قد تكون لفتًا للآيات الكونية، وقد تكون المعجزات.
ونعلم أن كل رسول من رسل الذين سبقوا سيدنا رسول الله كانت معجزتهم منفصلة عن منهجهم، فالمعجزة شيء وكتاب المنهج شيء آخر. صحف إبراهيم فيها المنهج لكنها ليست هي المعجزة؛ فالمعجزة هي الإحراق بالنار والنجاة، وموسى عليه السلام معجزته العصا وتنقلب حية، وانفلاق البحر، لكن كتاب منهجه هو التوراة، وعيسى عليه السلام كتاب منهجه الإنجيل ومعجزته العلاج وإحياء الموتى بإذن الله، إذن فقد كانت المعجزة منفصلة عن المنهج، إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فإن معجزته القرآن، ومنهجه في القرآن، لماذا؟
لأنه جاء رسولًا يحمل المنهج المكتمل وهو القرآن الكريم، ومع ذلك فهو صلى الله عليه وسلم الرسول الخاتم، فلابد أن تظل المعجزة مع المنهج؛ كي تكون حُجة، إذن فقول الحق سبحانه وتعالى: {جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ}: أي المعجزات الدالات على صدقهم.
{وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ} أي الكتب التي جاءت بالمنهج، فهم يحتاجون إلى أمرين اثنين: منهج ومعجزة.
والبينات هي المعجزة أي الأمور البينة من عند الله وليست من عند أي واحد منهم، ثم جاء المنهج في {الزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ}. ومعنى الزِبْر: الكتاب، وما دام الشيء قد كُتب فقد زبره أي كَتَبَهُ، وهذا دليل على التوثيق أي مكتوب فلا ينطمس ولا يمحى فالزَّبْر الكتابة، والزَّبْر تعني أيضا الوعظ؛ لأنه يمنع الموعوظ أن يصنع ما عظم أي يمتنع عن الخطأ وإتيان الانحراف، والزَّبْر أيضا تعني العقل؛ لأنه يمنع الإنسان من أنْ يرد موارد التهلكة.
والذين يريدون أن يأخذوا العقل فرصة للانطلاق والانفلات، نقول لهم: افهموا معنى كلمة العقل، معنى العقل هو التقييد، فالعقل يقيدك أن تفعل أي أمر دون دراسة عواقبه. والعقل من عَقَلَ أي ربط، كي يقال هذا، ولا يقال هذا، ويمنع الإنسان أن يفعل الأشياء التي تؤخذ عليه. والزبر أيضا: تحجير البئر؛ فعندما نحفر البئر ليخرج الماء، لا نتركه. بل نصنع له حافة من الحجر ونبنيه من الداخل بالحجارة. كي لا يُردم بالتراب وكل معاني الزبر ملتقية، فهو يعني: المكتوبات، والمكتوبات لها وصف، إنّها منيرة، وهذه الإنارة معناها أنها تبين للسالك عقبات الطريق وعراقيله، كي لا يتعثر.
إذن فالحق سبحانه وتعالى يسلّي رسوله صلى الله عليه وسلم ويوضح له: لا تحزن إن كذبوك؛ فقد كذب رسل من قبلك، والرسل جاءوا بالمنهج وبالمعجزة، وبعد أن يعطي الله للمؤمنين ولرسول الله مناعة ضد ما يذيعه المرجفون من اليهود وضد ما يقولون، وتربية المناعة الإيمانية في النفس تقتضي أن يخبرنا الله على لسان رسوله بما يمكن أن تواجهه الدعوة؛ حتى لا تفجأنا المواجهات ويكشف لنا سبحانه بما سيقولون. وبما سيفعلونه.
ونحن نفعل ذلك في العالم المادي: إذا خفنا من مرض ما كالكوليرا- مثلًا- ماذا نفعل؟ نأخذ الميكروب نفسه ونُضْعِفُه بصورة معينة ثم نحقن به السليم؛ كي نربّي فيه مناعة حتى يستطيع الجسم مقاومة المرض.
ثم بعد ذلك يأتي الحق سبحانه وتعالى بقضية إيمانية يجب أن تظل على بال المؤمن دائمًا. هذه القضية: إن هم كذبوك فتكذيبهم لا إلى خلود؛ لأنهم سينتهون بالموت، فالقضية معركتها موقوتة، والحساب أخيرًا عند الحق سبحانه، ولذلك يقول: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ...}. اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال في صفوة التفاسير:
البلاغة:
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما ياتي:
1- {قالوا إن الله فقير ونحن أغنياء} أكد اليهود الجملة ب {إن الله فقير} على سبيل المبالغة، فحيث نسبوا إلى أنفسهم الغنى لم يؤكدوا بل أخرجوا الجملة مخرج ما لا يحتاج إلى تأكيد، كأن الغنى وصف لهم لا يمكن فيه نزاع فيحتاج إلى تأكيد، وهذا دليل على تمردهم في الكفر والطغيان.
2- {سنكتب ما قالوا} فيه مجاز يسمى المجاز العقلى أي ستكتب ملائكتنا لقوله تعالى: {إن رسلنا يكتبون ما تمكرون} فأسند الفعل إليه مجازا.
3- {ذلك بما قدمت أيديكم} فيه مجاز مرسل من اطلاق اسم الجزء وارادة الكل، وذكر الأيدي لأن أكثر الأعمال تزاول بهن.
4- {تأكله النار} اسناد الأكل إلى النار بطريق الاستعارة إذ حقيقة الأكل إنما تكون في الإنسان والحيوان، وكذلك يوجد استعارة في قوله: {ذائقة الموت} لأن حقيقة الذوق ما يكون بحاسة اللسان، وهذا كله من لطيف الاستعارة.
5- {متاع الغرور} شبه الدنيا بالمتاع الذي يدنس به على المستام، ويغر حتى يشتريه، والشيطان هو المدلس الغرور، فهو من باب الكناية اللطيفة.
6- {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا} كذلك توجد استعارة في النبذ والاشتراء، شبه عدم التمسك والعمل به بالشيء الملقى خلف ظهر الإنسان، وباشتراء ثمن قليل ما تعوضوه من الحطام على كتم آيات الله.
7- وفي الآيات الكريمة من المحسنات البديعية الطباق في {فقير} و{أغنياء} والمقابلة: {زحزح عن النار وأدخل الجنة} وفي {لتبيننه.. ولا تكتمونه} والجناس المغاير في {قول الذين قالوا} وفي {كذبوك فقد كذب}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

.قال ابن عادل:

قوله: {فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ} ليس جوابًا، بل الجوابُ محذوف، أي: فقل، ونحوه؛ لأن هذا قد مضَى وتحقَّق، والجملة من {جَاءُوا} في محل رفع، صفة لِـ {رُسُلٌ} و{مِنْ قَبْلِكَ} متعلق بـ {كُذِّبَ} والباء في {بِالبَيِّنَاتِ} تحتمل الوجهين، كنظيرتها.
ومعنى الآية: فإن كذبوك في قولك: إنَّ الأنبياء المتقدمين أتَوْا بالقُرْبان.
ويحتمل أن يكون المعنى: فإن كذبوك في أصل النبوة- وهو أولى- والمرادُ بالبيناتِ المعجزاتِ.
وقرأ الجمهورُ: {وَالزبر والكتاب}- من غير باء الجر- وقرأ ابنُ عامر {وَبِالزُّبُرِ}- بإعادتها- وهشام وحده عنه {وَبِالكِتَابِ}- بإعادتها أيضا- وهي في مصاحف الشاميين كقراءة ابنِ عامر، فَمَنْ لم يأتِ بها اكتفى بالعطفِ، ومن أتى بها كان ذلك تأكيدًا.
والزُّبر: جمع زَبُور- بالفتح- ويقال: بالضم أيضا- وهل هما بمعنىً واحد أو مختلفان؟ سيأتي الكلام عليهما- إن شاء الله تعالى- في النساء في قوله: {وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء: 163]. واشتقاقه من زَبَرْتُ: أي: كتبتُ وزَبَرْته: قرأتهُ، وَزَبرْته: حسَّنت كتابتَه، وزَبَرْته: زَجَرته. فزبور- بالفتح- فَعُول بمعنى مفعول- كالركوب بمعنى: المركوب- والحلوب- بمعنى المحلوب- والمعنى: الكُتُب المزبورة، أي: المكتوبة، والزُّبُر: جمع زبور، وهو الكتاب.
قال امرؤ القيس: [الطويل]
لمَنْ طَلَلٌ أبصَرْتُهُ فَشَجانِي ** كَخَطِّ زَبُورٍ في عَسِيبِ يَمَانِي

وقيل: اشتقاق من الزَّبْر- بمعنى: الزجر: تقول: زبرت الرجل: أي: نهرته. وزبرت البئر: أي: طويتها بالحجارة.
فإن قيل: لِمَ عطف {الْكِتَابِ المُنِيرِ} على {الزُّبُرِ} مع أن الكتاب المنير من الزُّبُر؟
فالجوابُ: لأن الكتاب المنير أشرف الكتب، وأحسن الزبر، فحسُن العطف، كقوله: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ} [الأحزاب: 7]. وقوله: {وملائكته وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98]. ووجه شرفه: كونه مشتملًا على جميع الشريعة، أو كونه باقيًا على وَجْه الدَّهْر.
وقيل: المراد بـ {الزُّبُر} الصُّحُف، والمراد بـ {الْكِتَابِ الْمُنِيرِ} التوراة والإنجيل والزبور. و{الْمُنِير} اسم فاعل من أنار، أي: أضاء، وهو الواضح. اهـ.

.قال القاسمي:

فائدة في قربان أهل الكتاب وتشريعه عندهم:
اعلم أن القربان بضم القاف معناه لغةً: ما يتقرب به إلى الله تعالى وسيلة لمرضاته. قال في مرشد الطالبين: ذبائح العبرانيين عديدة جدًا، وكان المستعمل هذه الذبيحة، بتعيين الله، الثيران والنعاج والمعز والحمام واليمام. وكانت الذبائح نوعين عامّين: إحداهما كانت تقرّب لتكفير الخطايا، والأخرى شكرًا لله على مراحمه وبركاته.
ثم قال: فالذبيحة اليومية كانت مشهورة جدًا، وهي خروف بلا عيب، يقدم وقودًا لله كفارة للخطايا، وذلك مرتان صباحًا ومساءً، طول مدة السنة، فالتي في الصباح تقدم عن خطايا الشعب ليلًا، والتي في المساء عن خطاياهم نهارًا. وقبل فعل الذبيحة تعترف كل الشعوب بخطاياها فوق الحيوان المراد ذبحه على يد الكاهن الخادم، وبهذا كان ينقل الإثم إليه بواسطة وضع وكلاء الشعب أيديهم على رأسه، ثم يذبح ويقرب وقودًا. وفي غضون ذلك تسجد الجماعة في الدار، وتبخر الكهنة على المذابح الذهبية، ويقدمون الطلبات لله عن الشعب، وأما في يوم السبت، فكانت تتضاعف الذبيحة، ويقرب في كل دفعة خروفان.
ثم قال: يوم الكفارة كان ممتازًا بالذبيحة السنوية، وهي أنه بعد أن يقرب الكاهن ثورًا كفارة لخطايا عائلته يقرب ماعزان كفارة لخطايا الشعب- انتهى-.
وقد أشير لكيفية ذبح القربان وحرقه في مواضع من التوراة. منها: سفر الخروج في الفصل التاسع والعشرين. ومنها: في الفصل الأول من سفر الأحبار المسمين باللاويين ونصه: ودعا الرب موسى وخاطبه من خباء المحضر قائلًا: خاطب بني إسرائيل وقل لهم: أي: إنسان منكم قرب قربانًا للرب من البهائم فمن البقر والغنم يقربون قرابينهم إن كان قربأنه محرقة من البقر، فذكرًا صحيحًا يقربه عند باب خباء المحضر يقربه للرضوان عنه، وضع يده على رأس المحرقة ويترضى به ليغفر له، ثم يذبح الثور ويقرب الكهنة بنو هارون الدم وينضحون الدم على المذبح، وما أحاط به في باب قبة الشهادة- يعني التابوت الذي كان فيه لوحا التوراة المسماة شهادة- ثم يسلخون المحرقة، ويقطعونها قطعًا، ثم يوقدون نارًا على المذبح، وينضدون الحطب على النار، ثم يجعلون الأعضاء المقطعة الرأس والشحم على الحطب الذي على النار على المذبح، ويغسلون أكارعه وجوفه بالماء، ثم يصعده الكاهن ويجعله على المذبح وقودًا وقربانًا لرضا الرب... إلخ.
وفي الفصل السادس من سفر الأحبار: وكلم الرب موسى قائلًا: مرْ هارون وبنيه، وقل لهم: هذه شريعة المحرقة، تكون المحرقة على وقيدة المذبح طول الليل إلى الغداة، ونار المذبح متقدة عليه، ويلبس الكاهن قميصه من الكتان، وسراويلات من الكتان على بدنه، ويرفع الرماد الذي آلت إليه نار المحرقة على المذبح، ويجعله إلى جانب المذبح، ثم يخلع ثيابه ويلبس ثيابًا أخر، ويخرج الرماد إلى خارج المحلة إلى موضع طاهر، وتبقى النار على المذبح متقدة لا تطفأ، ويضع عليها الكاهن حطبًا في كل غداة... إلخ.
قال بعضهم: زعم الربانيون أن النار التي كانت في هيكل سليمان، والتي أمر اليهود بحفظها دون أن تطفأ البتة، كان أصلها من النار التي نزلت من السماء بعد تقدمة هارون وأبنائه المحرقات، وأنها بقيت إلى أيام الخراب الهيكل على يد بختنصر، إلا أنه ليس في التوراة ما يصرح بذلك- انتهى-.
وهذه النار التي نزلت من السماء جاء ذكرها في الفصل التاسع من سفر الأحبار وملخصه: أن موسى أمر هارون عليهما السلام أن يذبح قربانًا، فذبح عجلًا وأحرق لحمه وجلده خارج المحلة، وأما شحمه وكليتاه وزيادة كبده فقترها على المذبح، ثم قرب تيسًا وثورًا وكبشًا بكيفية خاصة، ثم دخل موسى وهارون خباء المحضر، فخرجت نار من عند الرب، فأكلت المحرقة والشحوم التي على المذبح، فنظر جميع الشعب وهتفوا مسبحين وسجدوا- انتهى-.
إذا علمت ذلك، فقوله تعالى: {تَأْكُلُهُ النَّارُ} بمعنى أن يذبح على الكيفية المعروفة، ثم تنزل نار من السماء فتأكله، وتكون معجزة وآية كما حصل في عهد موسى وهارون من نزول النار وأكلها المحرقة، كما ذكرنا. وفي عهد سليمان أيضا، فقد جاء في الفصل التاسع من سفر أخبار الأيام الثاني: أن سليمان لما أتم الدعاء هبطت النار من السماء وأكلت المحرقة والذبائح، وكان جميع بني إسرائيل يعاينون هبوط النار. انتهى. اهـ.